كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



انتهى محل الغرض منه، وقال الحطاب أيضًا: وذكر ابن الحاجب القولين من غير ترجيح، وقبلهما ابن عبدالسلام، والمصنف في التوضيح وابن فرحون، وصاحب الشامل، ومن بعدهم، ورجحوا القول بالسقوط، وصرح بعضهم بتشهيره، وكذلك شراح المختصر. اهـ. محل الغرض منه.
ومعنى قوله: ورجحوا القول بالسقوط يعني: سقوط وجوب الحج عمن عادته السؤال والإعطاء.
القول الثاني: من قولي المالكية: أن الفقير الذي عادته السؤال في بلده وعادة الناس إعطاءه، إذا كانت عادتهم إعطاءه في سفر الحج كما كانوا يعطونه في بلده، أنه يعد بذلك مستطيعًا، وأَن تحصيله زاده بذلك السؤال، بعد استطاعة، وعلى هذا القول أَكثر المالكية.
وقال الحطاب في كلامه على قول خليل في مختصره: أو سؤال مطلقًا بعد أن ذكر القول بأن ذلك السؤال والإعطاء، لا يعد استطاعة، ولا يجب به الحج، بل يكره الخروج في تلك الحال ما نصه:
قلت: ونصوص أهل المذهب التي وقفت عليها مصرحة بخلاف ذلك، وأن الحج واجب على من عادته السؤال، إذا كانت العادة إعطاءه، ثم سرد كثيرًا من نقول علماء المالكية مصرحة بوجوب الحج عليه، وأهل هذا القول من علماء المالكية، وهم الأكثرون وجهوه بأنه محمول على الفقير الذي يباح له السؤال لعدم قدرته على كسب ما يعيش به، وأَن ذلك السؤال لما كان جائزًا له، وصار عيشه منه في الحضر، فهو بذلك السؤال والإعطاء قادر على الوصول إلى مكة. قالوا: ومن قدر على ذلك بوجه جائز لزمه الحج.
قال مقيده، عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي رجحانه بالدليل من قولي المالكية في هذه المسألة: هو القول الأول، وهو أن الحج لا يجب على من يعيش في طريقه بتكفف الناس، وأن سؤال الناس لا يعد استطاعة.
ومن الأدلة الدالة على ذلك عموم قوله جل وعلا {وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] الآية. وقد قدمنا في هذا الكتاب المبارك مرارًا: أن العبرة بعموم الألفاظ، لا بخصوص الأسباب، وبينا أدلة ذلك من السنة الصحيحة، فقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمة، برفع الحرج عن الذين لا يجدون ما ينفقون.
ولا شك أن الذي يتكفف الناس لشدة فقره، داخل في ع موم الذين لا يجدون ما ينفقون. وقد صرح تعالى بنفي الحرج عنهم، فيلزم من ذلك نفي الحرج عنه في وجوب الحج، وهو واضح. وقد استدل الشيخ ابن القاسم رحمه الله بهذه الآية المذكورة على ما ذكرنا.
ولَكِن كثيرًا من متأخري علماء المالكية حملوا قول ابن القاسم الذي احتج عليه بالآية المذكورة، على من ليس عادته السؤال في بلده، قالوا: فلم يتناول قوله محل النزاع.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ظاهر الآية الكريمة العموم في جميع الذين لا يجدون ما ينفقون، فتخصيصها بمن ليس عادته السؤال، بدون دليل من كتاب، أو سنة لا يصح ولا يعول عليه. وقد تقرر في الأصول أنه لا يمكن تخصيص العام إلا بدليل يجب الرجوع إليه. سواء كان من المخصصات المتصلة، أو المنفصلة.
ومما يؤيد هذا في الجملة ما ثبت في صحيح البخاري. حدثنا يحيى بن بشر، حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجُّون، ولا يتزودون، ويقولون: نحن التموكلون، فإذا قدموا المدينة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} [البقرة: 197] ورواه ابن عيينة، عن عكرمة مرسلًا. انتهى من صحيح البخاري.
وقال ابن حجر في الفتح في الكلام على هذا الحديث: قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه: أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافًا، فإن قوله: {فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} أي تزودوا، واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك. انتهى محل الغرض منه.
وفيه دليل ظاهر: على حرمة خروج الإنسان حاجًا، بلا زاد، ليسأل الناس وظاهرها العموم في كل حاج يسأل الناس فقيرًا كان، أو غنيًّا كانت عادته السؤال في بلده أو لا، وحمل النصوص على ظواهرها واجب إلا بدليل يجب الرجوع إليه، ومما يؤيد هذا أن الذين مدحهم الله في كتابه، بتركهم سؤال الناس، كانوا من أفقر الفقراء كما هو معلوم، وقد صرح تعالى بأنهم فقراء وأشار لشدة فقرهم، وذلك في قوله تعالى: {لِلْفقراء الذين أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرض يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافًا} [البقرة: 273] الآية فصرح بأنهم فقراء وأثنى عليهم بالتعفف وعدم السؤال.
ووجه إشارة الآية، إلى شدة فقرهم، هو ما فسرها به بعض أهل العلم، من أن معنى قوله: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} أي بظهور آثار الفقر والحاجة عليهم.
وقال ابن جرير في تفسيره، بعد أن ذكر القول: بأن المراد بسيماهم: علامة فقرهم من ظهور آثار الجوع، والفاقة عليهم، والقول الآخر: أن المراد بسيماهم: علامتهم التي هي: التخشع، والتواضع ما نصه: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعرفهم بعلاماتهم، وآثار الحاجة فيهم. انتهى محل الغرض منه.
وقال صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الربيع {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} يقول: تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة. وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} قال: رثاثة ثيابهم. انتهى. ومثل هذا كثير في كلام المفسرين.
فالآية الكريمة: تدل بمنطوقها على الثناء على الفقير الصابر المتعفف عن مسألة الناس، وتدل بمفهومها على ذم سؤال الناس، والأحاديث الواردة في ذم السؤال مطلقًا كثيرة جدًّا.
وبذلك كله: تعلم أن سؤال الناس ليس استطاعة على ركن من أركان الإسلام، وأن قول بعض المالكية: إنه لا يعد استطاعة هو الصواب. وهو قول جمهور أهل العلم. وممن ذهب إليه: الشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، ونقله ابن المنذر عن الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق. وبه قال بعض أصحاب مالك. قال البغوي: وهو قول العلماء. اهـ.
قاله النووي. والاستطاعة عند أبي حنيفة. الزاد، والراحلة. فلو كان يقدر على المشي، وعادته سؤال الناس، لم يجب عليه الحج عنده كما قدمناه قريبًا.
والاستطاعة في مذهب الشافعي: الزاد والراحلة، بشرط أن يجدهما بثمن المثل، فإن لم يجدهما إلا بأكثر من المثل سقط عنه وجوب الحج. ويشترط عند الشافعية أيضًا: وجود الماء في أماكن النزول، وهذا شرط لا ينبغي أن يختلف فيه، لأنه إِن لم يجد الماء هلك، ويشترط عند الشافعية أيضًا: أن يكون صحيحًا لا مريضًا، ولا ينبغي أن يختلف في أن المرض القوي الذي يشق معه السفر مشقة فادحة مسقط لوجوب الحج. ويشترط عند الشافعي أيضًا: أن يكون الطريق آمنًا من غير خفارة. والخفارة مثلثة الخاء: هي المال الذي يؤخذ على الحاج. ويشترط عند الشافعي أيضًا: أن يكون عليه من الوقت، ما يتمكن فيه من السير والأداء. وهذه الشروط في المستطيع بنفسه لا فيما يسمونه المستطيع بغيره، فإن كان بينه، وبين مكة مسافة تقصر فيها الصلاة وكان قادرًا على المشي على رجليه، ولم يجد راحلة، أو وجدها بأكثر من ثمن المثل، أو أجرة المثل. لم يجب عليه الحج عندهم، ولا يعد قدرته على المشي استطاعة عندهم، لحديث: الزاد والراحلة في تفسير الاستطاعة، وإن لم يجد ما يصرفه في الزاد والماء، ولَكِنه كسوب ذو صنعة يكتسب بصنعته ما يكفيه، ففي ذلك عند الشافعي تفصيل حكاه إمام الحرمين عن العراقيين من الشافعية، وهو: أنه إن كان لا يكتسب في اليوم إلا كفاية يوم واحد. لم يجب عليه الحج: لأنه ينقطع عن الكسب في أيام الحج، وإن كان يكتسب في اليوم كفاية أيام لزمه الحج.
قال الإمام: وفيه احتمال، فإن القدرة على الكسب يوم العيد، لا تجعل كملك الصاع في وجوب الفطرة، هكذا ذكره الإمام وحكاه الرافعي، وسكت عليه انتهى من النووي، ومراده بالإمام: إمام الحرمين.
وقوله: وفيه احتمال يعني: أنه يحتمل عدم وجوب الحج بذلك مطلقًا.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وهذا الذي ذكره مبني على القاعدة المعروفة المختلف فيها: وهي هل القدرة على التحصيل بمنزلة التحصيل أو لا، والأظهر أن القدرة على التحصيل بمنزلة التحصيل بالفعل. والعلم عند الله تعالى.
والاستطاعة عند أحمد وأصحابه: هي الزاد والراحلة. قال ابن قدامة في المغني: والاستطاعة المشترطة: ملك الزاد والراحلة، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشافعي، وإسحاق. قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم. وقال عكرمة: هي الصحة. انتهى محل الغرض منه.
وإذا علمت أقوال أهل العلم في معنى الاستطاعة المذكورة في قوله تعالى: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] فهذه أدلتهم.
أما الأكثرون الذين فسروا الاستطاعة: بالزاد والراحلة، فحجتهم الأحاديث الوادرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، بتفسير الاستطاعة في الآية: بالزاد والراحلة. وقد روي عنه ذلك من حديث ابن عمر، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث أنس، ومن حديث عائشة، ومن حديث جابر، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث ابن مسعود. اهـ.
أما حديث ابن عمر فقد أخرجه الترمذي، وابن ماجه من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن ابن عمر وقال الترمذي بعد أن ساقه: هذا حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم: أن الرجل إذا ملك زادًا وراحلة وجب عليه الحج. وإبراهيم بن يزيد هو الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. انتهى من الترمذي.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: تحسين الترمذي رحمه الله لهذا الحديث لا وجه له. لأن إبراهيم الخوزي المذكور متروك لا يحتج بحديثه، كما جزم به غير واحد. وقد نقل الزيلعي في نصب الراية عن الترمذي: أنه لما ساق الحديث المذكور، قال فيه: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي. وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ا.هـ.
ومقتضى ما نقل الزيلعي عنه أنه لم يحسنه، وإنما وصفه بالغرابة، وهذا الذي ذكره الزيلعي ذكره الترمذي في موضع آخر، وقد علمت أن إبراهيم الخوزي لا يحتج به. فلا يكون حديث هو في إسناده حسنًا.
قال صاحب نصب الراية: وله طريق آخر عند الدارقطني في سننه أخرجه محمد بن الحجاج المصفر، ثنا جرير بن حازم، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن عمر مروفوعًا، ومحمد بن الحجاج المصفر ضعيف. اهـ.
وهو كما قال الزيلعي ضعيف. قال في الميزان فيه: روى عباس، عن يحيى ليس بثقة. وقال أحمد: قد تركنا حديثه. وقال البخاري عن شعبة: سكتوا عنه، وقال النسائي: متروك. ثم ذكر بعض عجائبه وعلى كل حال فهو لا يحتج به.
واعلم: أن إبراهيم بن يزيد الخوزي كما تابعه في هذه الرواية جرير بن حازم من طريق محمد بن الحجاج المصفر الذي ذكرنا آنفًا، أنه لا يحتج به، فقد تابعه أيضًا فيها غيره من الضعفاء.
قال الزيلعي في نصب الراية بعد أن ذكر حديث إبراهيم الخوزي المذكور، عند الترمذي، وابن ماجه: ورواه الدارقطني، ثم البيهقي في سننهما.
قال الدارقطني: وقد تابع إبراهيم بن يزيد عليه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، فرواه عن محمد بن عباد، عن ابن عمر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم كذلك انتهى. وهذا الذي أشار إليه رواه ابن عدي في الكامل وأعله بمحمد بن عبد الله الليثي، وأسند تضعيفه عن النسائي، وابن معين ثم قال: والحديث معروف بإبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو من هذه الطريق غريب. ثم ذكر عن البيهقي تضعيف إبراهيم المذكور. قال: وروي من أوجه أخر كلها ضعيفة. وروي عن ابن عباس من قوله: ورويناه من أوجه صحيحة، عن الحسن عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وفيه قوة لهذا السند انتهى. ثم قال الزيلعي بعد هذا الكلام الذي نقلناه عنه: قال الشيخ في الإمام قوله: فيه قوة فيه نظر. لأن المعروف عندهم: أن الطريق إذا كان واحدًا، ورواه الثقات مرسلًا، وانفرد ضعيف برفعه، أن يعللوا المسند بالمرسل، ويحملوا الغلط على رواية الضعيف. فإذا كان ذلك موجبًا لضعف المسند، فكيف يكون تقوية له. اهـ. وهو كما قال: كما هو معروف في الأصول وعلم الحديث. ثم قال الزيلعي: قال: يعني الشيخ في الإمام: والذي أشار إليه من قول ابن عباس: رواه أبو بكر بن المنذر، حدثنا علان بن المغيرة، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: والمرسل رواه سعيد بن منصور في سننه، حدثنا هشام، ثنا يونس: عن الحسن قال: لما نزلت {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} قال رجل: يا رسول الله، وما السبيل؟ قال صلى الله عليه وسلم: «زاد وراحلة» انتهى.
حدثنا الهيثم، ثنا المنصور، عن الحسن مثله.
حدثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن مثله. قال: وهذه أسانيد صحيحة إلا أنها مرسلة. وقال ابن المنذر: لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة مسندًا والصحيح: رواية الحسن، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وأما المسند فإنما رواه إبراهيم بن يزيد، وهو متروك ضعفه ابن معين وغيره. اهـ. من نصب الراية.
وبهذا تعلم: أن حديث ابن عمر المذكور لم يسند من وجه صحيح، ولم يثبت. لأن إبراهيم الخوزي متروك، ومحمد بن الحجاج المصفر الذي ذكرنا أن إبراهيم تابعه عليه جرير بن حازم من طريقه لا يحتج به، كما بيناه، وقد بينا أن متابعة محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، لا تقويه، لأنه ضعيف، ضعفه النسائي وأعل الحديث به ابن عدي في الكامل. وقال الذهبي في الميزان: ضعفه ابن معين، قوال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. اهـ منه.
وأما مرسل الحسن البصري المذكور، وإن كان إسناده صحيحًا إلى الحسن، فلا يحتج به، لأن مراسيل الحسن رحمه الله لا يحتج بها.
قال ابن جرير في تهذيب التهذيب: وقال الدارقطني: مراسيل الحسن فيها ضعف. وقال في تهذيب التهذيب أيضًا: وقال محمد بن سعد: كان الحسن جامعًا عالمًا رفيعًا فقيها ثقة، مأمونًا، عابدًا، ناسكًا، كثير العلم، فصيحًا، جميلًا، وسيمًا، وكان ما أسند من حديثه. وروى عمن سمع منه، فهو حجة، وما أرسل فليس بحجة.
وقال صاحب تدريب الراوي، في شرح تقريب النواوي: وقال أحمد بن حنبل: مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها، وليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن، وعطاء فإنهما كانا يأخذان عن كل واحد انتهى. ثم قال بعد هذا الكلام وقال العراقي: مراسيل الحسن عندهم شبه الريح، وعدم الاحتجاج بمراسيل الحسن هو المشهور عند المحدثين. وقال بعض أهل العلم: هي صحاح إذا رواها عنه الثقات. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: وقال ابن المديني: مرسلات الحسن إذا رواها عنه الثقات صاحاح، ما أقل ما يسقط منها. وقال أبو زرعة: كل شيء يقول الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، وجدت له أصلًا ثابتًا ما خلا أربعة أحاديث اهـ.
فهذا هو جملة الكلام في حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه فسر الاستطاعة: بالزاد والراحلة، وقد علمت أنه لم يثبت من وجه صحيح، بحسب صناعة علم الحديث، وأما حديث ابن عباس، فرواه ابن ماجه في سننه: حدثنا سويد بن سعيد، ثنا هشام بن سليمان القرشي، عن ابن جريج قال: وأخبرنيه أيضًا، عن ابن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الزاد والراحلة» يعني قوله: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] وهذا الإسناد فيه هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد بن العاص القرشي المخزومخي قال فيه أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله الصدق، ما أرى به بأسًا.